تعيش في عصرنا ضيفا
إنها في الوقت اللي كان فيه العقاد السياسي بـ يدور على مساحة أكبر من الحرية، في العقاد الأدبي بـ يعمل من نفسه سلطة على الأدب، والشعر، وبـ يرازي في الشعرا الجداد. وأواخر الخمسينات، بدايات الستينات، كان فيه عركة بين العقاد والشعرا دول، وكانت المعارك دي شعبية لـ درجة إن أخبارها كانت مادة سخنة لـ الجرايد.
يعني، عادي تلاقي حد ناشر في الأهرام فـ تلاقي العقاد رادد في المساء، وهكذا.
العقاد مكنش بس داخل العركة بـ صفته الأدبية، ولا الشخصية، إنها كان بـ صفته الرسمية كـ مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. وكان أمين المجلس كله يوسف السباعي. بدأت الحكاية سنة 56 لما العقاد قرا قصيدة كتبها صلاح عبد الصبور واتقدم بيها لـ مسابقة بـ ينظمها المجلس، فـ كتب عليها: تحال إلى لجنة النثر. تقريبا العقاد مكنش يعرف وهو بـ يكتب الجملة إنها هـ تبقى تاريخية، وينضرب بيها المثل دايتها، على كل قديم بـ يحاول يوقف سير الجديد، وإحنا صغيرين كان الكبار دايها يحكوا لنا الحكاية دي.
فضل الموضوع يتطور، لـ حد ما سنة 1961 جات، السباعي وجه الدعوة لـ بعض الشباب إنهم يحضروا مهرجان الشعر في دمشق، والحاجات دي زمان كان لها وزنها، يعني مثلا، لما كان الواحد مننا يطلع يقول شعر في معرض الكتاب، ولا حتى في ندوة فـ قصر ثقافة، كان يبقى على الفلنكات، وخد اعتراف من الدولة، وبقى له اسم رسميا.
دعوة السباعي لـ الشبان دول وقتها مكنتش عادية، ليه؟
لـ إنه كان السنة اللي قبلها، دعاهم، فـ العقاد أصر على حاجة غريبة جدا، إنهم يمضوا تعهدات رسمية على إنهم مش هـ يقولوا شعر جديد، مش هـ يقولوا غير قصايد عمودية (الشعر العمودي أبو ضرفتين ده شطر يمين وشطر شمال، والقافية في نهاية البيت) وكان ساعتها الشبان بدأوا يكتبوا الشعر الحر، اللي هو تحط القافية في أي حتة، أو ما تحطش قافية أصلًا. المهم، الشبان قدموا التعهد المطلوب سنة 1960، ثم جأت سنة 1961، دعوهم لـ المهرجان تاني، في وافقوا يحضروا، بس سنتها رفضوا يمضوا التعهد ده، تا تا تتا۱۱۱۱
العقاد ركب دماغه (هو كان بـ يركبها كثير الحقيقة) وهدد إنه هـ يستقيل
لو قروا شعر من قصايدهم الجديدة. رجع الشباب حاسين بـ القهر، في راح أحمد عبد المعطي حجازي فاقع العقاد قصيدة عظيمة، وكتبها بـ الشكل الكلاسيكي، على أساس يقول إنه بـ يعرف يكتب الشكل ده، بس مش عايز، وراح أحمد بهجت سخنه، وخدها منه ونشرها في الأهرام.
القصيدة
القصيدة دي عظيمة الحقيقة، أذكر منها:
- من أي بحر عصي الريح تطلبه إن كنت تبكي عليه فنحن نكتبه
- يا من يحدث في كل الأمور ولا
- يكاد يحسن أمراً أو يقاربه
- أقول فيك هجائي وهو أوله
- وأنت آخر مهجو وأنسبه
- تعيش في عصرنا ضيفا وتشتمنا
- أنا بإيقاعنا نشدو ونطربه
- وأننا نمنح الأيام ما طلبت
- وفيك ضاع من التاريخ مطلبه وفيك لا أمسنا زاه ولا غدنا
- وفيك أبهت ما فينا وأكذبه
- وتدعي الرأي فيها أنت متهم
- فيه وتسألنا عما تخربه
- وإنه الحمق لا رأي ولا خلق
- يعطيك رب الورى رأسا فتركبه
إييييه، دونیا !
فعلاغ بحب القصيدة دي، خصوصا الشطر اللى بـ يقول فيه:
تعيش في عصرنا ضيفا وتشتمنا
المهم، العقاد رد في جرنان المساء، وكانت عركة فضلت مشعللة، لـ حد ما العقاد اتوفى 1964.
لما تسأل حجازي عن الموضوع ده دلوقتي، هـ يقول لك إنه ندمان، وإن العقاد قامة وقيمة، وده طبيعي، لـ إن حجازي عمل نفس العركة مع شعراء القصيدة الجديدة لما كبر، وبقى يعيش في عصرنا ضيفا، ويشتمنا..