من المستحيل معرفة العدد الحقيقى لضحايا الغزو المغولى للعالم لكن الكثير من المؤرخين يقدرونه ب 40 مليون،
تعدادات السكان خلال العصور الوسطى تشير إلى انخفاض عدد سكان الصين بعشرات الملايين خلال حياة الخان .
ويقدر الباحثون أنه قتل ثلاثة أرباع سكان إيران الحالية فى حربه على الإمبراطورية الخوارزمية، بعد كل ما قيل فإن هجمات المغول خفضت عدد سكان العالم بنسبة 11% (بينما الحرب العالمية الثانية 2 % فقط) .
مئات الكتاب و مئات الكتب قديما و حديثا شرقا و غربا و في معظم بلدان العالم تحدثوا عن إمبراطورية المغول .
و العجيب أن كتابات الغربيين تمجد جنكيز خان و تعده بطلا كبيرا ! كذلك ستجد معهم كل كاره لدين الإسلام يمجد ذلك العربيد المجرم .
و لسنا ندرى على أي أساس يقيمون البطولات إذا كانت تلك الإمبراطورية قد نشرت الرعب و الدمار في أرجاء العالم ؟! ثم إنها لم تقدم شيئا ذا قيمة لإفادة مسيرة البشر نحو التقدم بل على العكس فقد أعاقت تلك المسيرة و أخرت ذلك التقدم قرونا طويلة .
اللهم إلا إذا كانت البطولة في نظرهم تقاس بمقدار ما يلحقه المجرمون من أذي و ضرر بأمة الإسلام .
الكثير منا يسأل لماذا بلدان العرب و المسلمين هي الأكثر تأخرا و الأكثر ضعفا و فقرا ؟!
بينما يصر أعداؤنا و صبيتهم الذين يقيمون بين ظهرانينا على أن السبب وراء ذلك هو دين الإسلام .
لكن الحقيقة أن بلداننا قد خربت عن عمد واستنزفت و نهبت ! بل أحرق و أبيد فيها كل ما كان ذا قيمة ! واغتيل أو أبعد عنها كل من يتوقع أن يسهم في تقدمها . ليس في عصرنا هذا فحسب بل في شتي العصور و لمئات السنين .
و قد اخترنا أن نقدم لموضوعنا هذا بما كتبه مؤلف أحد المراجع التي اعتمدنا عليها في كتابة فقراتنا و هي مقدمة كتاب ( المغول ) للدكتور السيد الباز العريني – أستاذ التاريخ جامعتي القاهرة و بيروت . يقول :
{ تعرض المشرق الإسلامى منذ أواخر القرن الحادى عشر ، ولفترة تزيد على ثلاثة قرون لأخطار خارجية ، بلغت من الشدة والعنف ما ألحق بالأمة الاسلامية الضرر وبالحضارة والتراث العربى .
وجاءت هذه الأخطار أول الأمر من جهة الغرب المسيحى ، بما سيره من حملات حربية ، أدت الى أن يقام في جوف العالم العربى إمارات الرها وأنطاكية وبيت المقدس وطرابلس .
ولم يلبث المسلمون أن أدركوا خطورة بقاء هذه الإمارات الصليبية ، فبدأت حركة الجهاد وتوحيد الجبهة الاسلامية ، وتيسر لصلاح الدين في معركة حطين سنة 1187 ، أن ينزل ضربة قاصمة بالقوات الصليبية ،
إسترد على اثرها ييت المقدس وسائر ما بأيدى الصليبيين من قلاع ، وحصون ولم يبق لهم غير أنطاكية وطرابلس والساحل بين صور ويافا ، وأصبحت هذه البقايا الصليبية تعتمد على ما يرد اليها من مساعدات من غرب أوربا ، وعلى ما تلتمسه من حلفاء.
أوائل القرن الثالث عشر
في أوائل القرن الثالث عشر ، أضحت مصر مركزا للمقاومةالإسلامية بفضل مواردها الضخمة وسيادتها على البحر المتوسط والبحر الأحمر .وصارت المصالح الاقتصادية التجارية والشخصية تتحكم في الحركة الصليبية ، فحرص الصليبيون على أن يحولوا جهدهم الحربى ، منذ سنة 1218 للاستيلاء، على مصر.
وحدث وقتذاك أن ظهرت حركة المغول في أقصى الشرق بآسيا، بزعامة جنكيز خان و خلفائه ، أوكاى ، و كيوك ، و مونكو ( 1257- 1206 م ) .فاجتاحت جموعهم الصين و اَسيا الوسطى ، وأملاك الإمبراطورية الخوارزمية ودولة السلاجقة باَ سيا الصغرى ( تركيا ) ، ونفذوا إلى أوربا الشرقية و روسيا و بولندا و المجر .
وقامت حكومة ايلخانات فارس ، سنة 1256 عند قدوم هولاكو لتوطيد سلطان المغول بهذه الجهات وللقضاء على طائفة الإسماعيلية وقوة الخلافة العباسية . وتحالفت مع المسيحيين في الكرج( جورجيا وأرمينية الصغرى ) و في الإمارات الصليبية بالشام و تحالفت مع القوى المسيحية في الغرب لإنتزاع الأماكن المقدسة وللإستيلاء على مصر .
وحدث في الشرق الإسلامي وقتذاك من أسباب التشاحن والتخاصم و التصادم بين القوى ، ما أدى الى أن تسعى كل قوة الى تأييد المغول ومساندتهم ، فاستطاع العدو بذلك أن ينفذ الى الأراضى الاسلامية ، ويقهر القوى الإسلامية ، الواحدة تلو الأخري .
وبرغم ما إشتهر به المغول من البسالة والشجاعة ، فإنهم قلما إستخدموها ، طالما كان بوسعهم أن يحققوا أغراضهمم عن طريق الغش والخداع ، فاذا كان الموت عقوبة الشخص الذى يبدى مقاومة ” فإن الموت في كثير من الأحوال يعتبر أيضا عقوبة الشخص الذى يذعن ويستسلم لهم .
فاذا أبقى المغول على حياة بعض سكان المدن التى أذعنت لهم ، فلم يكن ذلك إلا من أجل الإفادة من مهاراتهم لإستخدامهم في الأعمال الفنية أو في قتال مواطنيهم وإخوانهم في الدين ، بأن يجعلوهم في مقدمة جيوشهم عندالهجوم ، ولم يلبث المغول أن يجهزوا عليهم بعد أن يتحقق غرضهم.
والواقع أن قسوة المغول وشدتهم جرت وفقا لخطة موضوعة ، كيما يثيروا من الخوف والرعب ما يشل حركة الذين سوف يتعرضون لهجومهم . وقد رأي المغول أن فيما ينزلونه بالمدن من خرائب تندلع فيهاالنيران ما يكفل لجيوشهم الأمن و السلام ، ويجنبهم تمرد الذين نجوا من القتل .
وكلما حاز المغول نجاحا ، إشتد تعطشهم لسفك الدماء ، فلميتركروا بالبلاد التى خضعت لهم شيئا من الرحمة أو الرفق . ويشير المؤرخون إلمسلمون القدماء إلى أنه مهما زاد عدد السكان في خراسان والعراق العجمى حتى يوم القيامة ، فلن يبلغ عشر ما كانوا عليه قبل الغزو المغولى.
يضاف إلى ذلك ما أصاب الكنوز الأدبية و العلمية من دمار وحريق .
كان المسيحيون في الغرب يأملون في أن يعتنق المغول المسيحية، وأن يتم التحالف بينهم ، وأن يوجهوا ضربة قاصمة للإسلام ، …
غير أن هذه الآمال لم تلبث أن تبددت بفضل ما جرى من قيام دولة المماليك فى مصر والشام ، وإنزالها الهزيمة الساحقة بالمغول في معركة عين جالوت سنة 1260م .
فتحطمت تلك الأسطورة التي ذاعت بأن المغول قوة لا تقهر ، وجرت سياسة سلاطين المماليك على التخلص من بقايا الصليبين في الشام ، وإنزال العقاب بالأرمن الذين تعاونوا معهم و مع المغول في قليقية ثم المضى في قتال المغول ،.
فاستطاع السلطان بيبرس أن ينزل الهزيمة بالأرمن سنة 1266م فعزلهم بذلك عن حلفائهم الفرنج والمغول . وتلى ذلك فتح أنطاكية سنة 1268م و طرد الصليبيين منها .
وحلت هزيمة بالمغول في معركة عينتاب سنة 1277م ، حيث لقى نحو7 آلاف من المغول مصرعهم في ساحة القتال ،.
وما هو أكبر من ذلك أهميهَ الانتصار، الذى أحرزه المسلمون ، زمن الناصر محمد ابن قلاون على المغول في وقعة مرج الصفر بالقرب من دمشق فى أبريل 1303م…
و دخل السلطان الناصر القاهرة ،و الأسري من التتار بين يديه مقيدين ، ورؤوس من قتل منهم معلقة في رقابهم ، وألف رأس على ألف رمح ،و الأسرى عدتهم ألف وستمائة ، وطبولهم قدامهم مخرقة ؟ .
على أن الاسلام أخذ يستعيد مكانته رويدا رويدا في البلاد التى خضعت للمغول ، ولم يلبث أن حاز من النجاح ما لم يظفر به البوذيون و المسيحيون .
فعلى الرغم من مصرع تكودار المغولي في أغسطس سنة 1283م بسبب تعلقه بالاسلام ، فان أول ما قام به جازان ( 1295 – 1304 م) من أعمال ، أنه اعتنق الإسلام ، ولم يلبث أن أقبل الموظفون ورجال الدين المغول على اعتناق الإسلام ، وانقطع ما كان يربط إيلخانات فارس بمغول الوطن الأم من علاقات.
فاستقر الاسلام بين المغول في فارس و في الأقاليم التابعة لهم. ؛ ولم تلبث المدن الإسلامية التى تعرضت للخراب أننهضت وانتعشت ، وامتزجت الشعوب المختلفة ، ودارت المناقشات بين أرباب دياناتهم .
ونشطت التجارة ، بعد أن عطلها ما كان من عداوة بين سلاطين المماليك وإيلخانات فارس ؛ واتسعت أملاك مصر فتجاوزت حدود الدولة الأيوبية القديمة ، سيما بعد زوال البقية الباقية من الصليبيين بالاستيلاء على عكا ، سنة 1291م ، والسيطرة على ارمينيا الصغرى .}